لويس باستور.. مروض الجراثيم الذي أنقذت اكتشافاته حياة الملايين | الموسوعة

[ad_1]

عالم فيزيائي وكيميائي فرنسي، مؤسس علم الأحياء الدقيقة، فقد أبناءه الثلاثة بحمى التيفوئيد، فانصرف لدراسة الأمراض وسبل الوقاية منها، حتى أصبح العدو الأول للجراثيم والفيروسات. أحدث ثورة علمية في القرن الـ19 باكتشافاته الطبية في مجال البيولوجيا الدقيقة، اخترع عملية البسترة، وساهم في تخفيض معدَّل وفيات حُمّى النفاس، وطور لقاحات مضادة لداء الكلب و”الجمرة الخبيثة” فأكسبته إنجازاته العلمية شهرة عالمية، وألبسته لقب “أبو علم المناعة”.

المولد والنشأة

ولد لويس باستور يوم 27 ديسمبر/كانون الأول 1822، وسط عائلة فقيرة شرقي فرنسا، عمل والده جان جوزيف باستور رقيبا، وحصل على وسام جوقة الشرف خلال الحروب النابليونية، قبل أن يمتهن دباغة الجلود.

نشأ باستور في بلدة صغيرة تسمى أربوا وترعرع فيها، وقبل أن يبدي اهتماما بدراسته، أخذ الرسم والتصوير مركز اهتمامه منذ طفولته، إذ برع في رسم لوحات فنية لأفراد عائلته وأصدقائه، ما زالت موجودة حتى الآن في متحفه في باريس.

ميدان - لويس باستور
باستور نجح في إنتاج أول تطعيم لمرض بكتيريا “كوليرا الدجاج” (مواقع التواصل)

الدراسة والتكوين العلمي

عام 1830 ذهب باستور رفقة والديه إلى أربوا، المكان الأكثر ملاءمة لممارسة صناعة الدباغة، فبدأ تعليمه في المدرسة الابتدائية بدورات التدريس التبادلي، وكان تلميذا متوسط المستوى في سنواته الدراسية الأولى، لكنه تميز بمهارته في الرسم، قبل أن ينتقل للمدرسة الثانوية في بيزانسون القريبة، حيث ظهر شغفه وزاد اهتمامه بالعلوم والرياضيات.

حصل على درجة البكالوريوس في الآداب والفنون عام 1840، وبعدها بسنتين حصل على درجة البكالوريوس في العلوم من الجامعة الملكية، ولم يكتف بذلك بل نال درجة الدكتوراه عام 1847 من مدرسة الأساتذة العليا في باريس التي أنهى بها مشواره الأكاديمي.

كرس باستور معظم أوقاته في البحث والتدريس، وكان لاشتغاله أستاذا للكمياء بجامعة ستراسبورغ عام 1848 دور هام في التعرف على ماري لوران ابنة رئيس الجامعة، التي تزوجها عام 1849 ورُزق منها بـ5 أطفال، توفي ثلاثة منهم بـ”حمى التيفوئيد” الأمر الذي دفعه بقوة إلى التخصص والتعمق في علم الأحياء الدقيقة، بحثا عن علاج ضد الأمراض التي تسببها الجراثيم والفيروسات، وخاصة “التيفوئيد”.

بعض الأنابيب التي استخدمها باستور في تجاربه معروضة في متحفه في باريس (الفرنسية)

أولى التجارب في الكيمياء

عام 1849، تعددت محاولات باستور لحل مشكلة تتعلق بطبيعة “حمض الطرطريك” الموجود في رواسب النبيذ، وبعض النباتات الأخرى كالعنب والموز والتمر الهندي، فاعتمد في ذلك كغيره من العلماء في عصره على عملية فيزيائية تُسمى “دوران الضوء المستقطب” كوسيلة لدراسة البلورات.

أثناء قيامه بتجربته، لاحظ باستور أنه عند تمرير الضوء المستقطب عبر محلول حمض الطرطريك المذاب، تدور زاوية مستوى الضوء، فيظهر مركب آخر يدعى “حمض الباراطرطريك” وهو أيضا موجود برواسب النبيذ، ويتوفر على تركيبة مشابهة لسابقه، ولفت انتباه باستور أن هذا الحمض لا يعمل على تدوير زاوية الضوء المستقطب، ليستنتج أنه وبالرغم من تشابه التركيب الكيميائي لنوعي الأحماض، فإن تركيبهما الهيكلي مختلف.

وعند معاينته حمض الباراطرطريك من خلال الميكروسكوب، اكتشف وجود نوعين مختلفين من البلورات الصغيرة المتشابهة تماما، إلا أنهما في الواقع صورتان معكوستان لبعضهما البعض، فحاول فصل النوعين وصنع محلول لكل منهما، ليكتشف أنه عند مرور الضوء المستقطب من خلالهما يدور كل نوع باتجاه معاكس، بينما لم يكن لهما أي تأثير في الضوء عند اجتماعهما.

واستطاع باستور اكتشاف الفرق وإثبات الاختلاف، واستخلص من تجربته أن مجرد دراسة المركبات وحدها لا تكفي لفهم كيفية تصرف المواد الكيميائية، بل إن النظر إلى هيكلها وشكلها مهم أيضا، وأدى ذلك إلى إنشاء فرع من فروع الكيمياء يُسمى “الكيمياء الفراغية” وتحصّل بموجبها على درجة الدكتوراه المزدوجة في الفيزياء والكيمياء.

وعلى مدار السنوات العشر التالية، أجرى باستور المزيد من الأبحاث حول قدرة المواد العضوية على تدوير مستوى الضوء المستقطب، كما درس العلاقة الموجودة بين التركيب البلوري والتكوين الجزيئي، فأقنعته دراساته بأن عدم التماثل هو أحد الخصائص الأساسية للمادة الحية.

بعض الأدوات التي استخدمها باستور (الفرنسية)

نظرية التخمير

عام 1854 تم تعيين باستور أستاذا في الكيمياء وعميدا لكلية العلوم في جامعة ليل، وخلال فترة عمله، طُلب منه المساعدة في إيجاد حل يساعد على حماية الخمور من التلوث، في وقت اقترب فيه قطاع إنتاج الخمور من الانهيار وتعرضت فيه كميات كبيرة من المشروبات للحموضة والإتلاف بعد فسادها.

بدأ باستور سلسلة دراساته حول عملية التخمر، وخلص إلى أن هذا نتيجة الحياة بدون هواء، واستطاع عام 1857 أن يقدم دليلا واضحا على أن جميع عمليات التخمر ناتجة عن وجود فئة جديدة من الكائنات الحية الدقيقة، قادرة على العيش محمية في الهواء، ومن ثم استعمل مصطلح “لاهوائي” في إشارة إلى التخمر الذي يتمتع بخاصية العيش بدون هواء، ومصطلح “هوائي” على الكائنات الحية الدقيقة التي تتطلب وجود الأكسجين الحر لتطورها.

ونجح في الوصول إلى حل للمشكلة، وقد ساعدت نتيجة أبحاثه على معالجة مجموعة متنوعة من المشاكل العملية والاقتصادية الأخرى المتعلقة بالتخمير، حيث بحث في جوانب واسعة مرتبطة بالتخمير، بما في ذلك إنتاج مركبات مثل حمض اللاكتيك.

ابتكار البسترة

عام 1863، وبناء على طلب إمبراطور فرنسا نابليون الثالث، درس باستور تلوث النبيذ وأظهر أنه ناجم عن الميكروبات، ومن أجل منع تلوثه استخدم إجراء بسيطا، وذلك بتسخين النبيذ إلى درجة حرارة 50-60 درجة مئوية، للقضاء على البكتيريا والعفن الموجود بداخلها في عملية باتت تُعرف عالميا باسم البسترة، وهي كلمة مشتقة من اسمه “باستور” ثم شملت الأطعمة والمشروبات الأخرى.

وطبق باستور معرفته بالميكروبات والتخمير بسهولة، وابتكر طريقة تحافظ على العديد من المنتجات وتحفظها من التخمر والفساد، فأنقذ ابتكاره الصناعات بشكل فعال من الانهيار بسبب المشاكل المرتبطة بالإنتاج والتلوث الذي كان يحدث أثناء تصدير هذه المشروبات.

مكتب باستور معروض في متحفه بباريس (الفرنسية)

بيض دودة القز

عام 1865 دُمرت صناعة الحرير بالكامل تقريبا، بسبب مرض غامض هاجم مشاتل دودة القز، وعلى إثره لم يعد ممكنا إنتاج بيض دودة القز في فرنسا، ولا حتى استيراده من بلدان أخرى، لأن المرض بدأ ينتشر في جميع أنحاء أوروبا.

ولم يكن باستور يعرف شيئا تقريبا عن هذه اليرقة المنتجة للحرير، وبعد 5 سنوات من البحث نجح في إنقاذ صناعة الحرير من خلال اكتشاف طريقة تُمكن من الحفاظ على بيض دودة القز ومنع تلوثه بالكائنات المسببة للأمراض.

وأثبت في دراسة له أن الميكروبات تهاجم بيض دودة القز، مما يتسبب في مرض غير معروف، وأكد أن القضاء على المرض يستوجب القضاء على الميكروبات، حيث طور في النهاية طريقة لمنع هذا التلوث، وفي غضون عامين، تم الاعتراف بهذه الطريقة في جميع أنحاء أوروبا، كما انتشرت في البلدان المنتجة للحرير.

المناعة والتطعيم

اكتسب باستور شهرة كبيرة في سبعينيات القرن الـ19، إذ كان أبا مكلوما دفعته آلامه إلى البحث عن لقاحات ضد أمراض تسببها الجراثيم والفيروسات لإنقاذ حياة الآخرين، فوصل إلى ضالته واستطاع اكتشاف اللقاحات.

وبدأت رحلته في علم التطعيم عام 1879، ونجح بالصدفة في إنتاج أول تطعيم لمرض بكتيريا “كوليرا الدجاج” فطلب من مساعده حقن الدجاج ببكتيريا حية جديدة النمو قبل حلول العطلة، ولكن المساعد نسي ذلك.

بعض أغراض لويس باستور (الفرنسية)

ذهب باستور في عطلة قصيرة، وبعد شهر شرع المساعد في تنفيذ أمر باستور مستعملا البكتيريا التي مر على زراعتها مدة شهر، فلاحظ بالصدفة أن الدجاج المطعَّم قد أصيب بحالة إعياء خفيفة، ثم عاد إلى حالته الطبيعية مكتسبا مناعة من المرض، وعندما استعاد الدجاج صحته، حقنه باستور ببكتيريا جديدة لكن دون أن تظهر عليه أية علامات هذه المرة، الأمر الذي استنتج من خلاله العالم الفرنسي أن العامل الذي جعل البكتيريا أقل فتكا هو تعرضها للأوكسجين. ومنذ ذلك الحين، وجّه باستور جميع أعماله التجريبية نحو التطعيمات، وطبق هذا المبدأ على العديد من الأمراض الأخرى.

وعام 1881، تمكن من الوصول إلى لقاح يقضي على وباء “الجمرة الخبيثة” أحد أقدم الأوبئة المسجلة في التاريخ، والتي كانت منتشرة في فرنسا ودول من أوروبا وتسبب في مقتل عدد كبير من المواشي، وتطور حتى أصبح يصيب البشر.

وانكب باستور على العمل على إضعاف جرثومة “الجمرة الخبيثة” من خلال اختبار أجراه على 70 خروفا بإحدى المزارع، وكانت تجربته ناجحة تماما، حيث حقن بعضها بلقاح ولم يحقن الأخرى، ثم حقن الجميع بمستنبتات ضارة، فماتت المجموعة التي لم تلقح، وبقيت الأخرى حية، رغم ظهور بعض الأعراض الطفيفة عليها، إلا أنها استعادت عافيتها فيما بعد.

وعام 1880 بدأ باستور العمل على فيروس داء الكلب، وتوصل بفضل أبحاثه إلى بعض الاكتشافات، وبعد مرور 5سنوات، شعر بأنه مستعد لتطبيق عمليات التطعيم المتعلقة بداء الكلب على البشر، والتي تم اختبارها بنجاح بالفعل ضد أمراض أخرى في الحيوانات.

وشكل 4 يوليو/تموز 1885، علامة فارقة في تاريخ الطب الفرنسي والدولي، ففي هذا اليوم شرع باستور في تطعيم الطفل الألزاسي جوزيف مايستر، البالغ من العمر 9 سنوات، بعد أن عضه كلب مسعور وأحضرته أمه على وجه السرعة إلى باريس، بعد أن سمعت عن وجود باحث أجرى تجارب على المرض بالمنطقة، وهو باستور.

نجح باستور في تطعيم الطفل ضد داء الكلب، ثم قرر فتح مركز التطعيم الذي يعرف اليوم باسم معهد باستور. ومن جهة أخرى، انتبه العالم الفرنسي إلى أهمية تعقيم الأدوات الطبية قبل إجراء العملية الجراحية، وعند تنبيه الأطباء لضرورة التعقيم، قلت نسبة الوفيات نتيجة العمليات من 90% إلى 15%.

A view of the Pasteur Institute building in Dakar, Senegal March 2, 2020. REUTERS/Christophe Van Der Perre
واجهة أحد فروع معهد باستور الذي بدأ في الأصل مركزا للتطعيم (رويترز)

إرث باستور

عندما طور باستور لقاحه ضد داء الكلب عام 1885، توافد عدد كبير من المرضى الراغبين في الحصول على لقاح أمام مختبره الصغير بشارع أولم في باريس، وحصل المئات منهم على اللقاحات، لكن مساحة المختبر لم تتسع للكم الكبير من القادمين من جميع أنحاء البلاد، مما دفع باستور للاجتماع بزملائه، وعرض عليهم فكرة إنشاء معهد قادر على تلبية حاجيات الإنسان المتزايدة لهذا اللقاح.

وتنفيذا لرغبته، أطلقت الأكاديمية الفرنسية للعلوم حملة وطنية وعالمية لإنشاء هذا المعهد الذي أراده باستور أن يكون -إلى جانب ذلك- مركزا لأبحاث الأمراض المعدية ومركزا تعليميا.

وخلال يناير/كانون الثاني 1886، حصل المسؤولون بالأكاديمية على أولى التبرعات، ولم يتردد العديد من الأثرياء ورجال الأعمال في تقديم مبالغ مالية طائلة لدعم هذا المعهد الذي حصل القائمون على مشروع بنائه على تبرعات بلغت قيمتها مليوني فرنك.

وفي 14 نوفمبر/تشرين الثاني 1888، دشن معهد باستور من قبل الرئيس الفرنسي سادي كارنو، عقب صدور مرسوم بناء رسمي يوم 4 يونيو/حزيران 1887. وخلال السنوات التالية، فتح المعهد عدّة فروع بالعديد من الدول الأخرى كاليونان وروسيا وكوريا والصين وتونس والجزائر والمغرب.

جانب من شقة باستور في العاصمة الفرنسية (الفرنسية)

الجوائز والإنجازات

حظي باستور بمسار أكاديمي متميز، قاده إلى تجربة مهنية حافلة بالأبحاث والاكتشافات، أنقذت حياة كثير من المرضى عبر العالم، وحصل بموجبها على عدة جوائز وتكريمات، جاءت كالآتي:

  • وسام رمفورد.
  • وسام جوقة الشرف.
  • وسام ألبرت.
  • تكريم من القاعة الوطنية للمخترعين المشاهير.

وكانت حياته حافلة بالإنجازات العلمية، أبرزها:

  • المساهمة في إيجاد حل لحمض الطرطريك.
  • تطوير لقاح الجمرة الخبيثة.
  • اكتشاف عملية البسترة.
  • اكتشاف لقاح مرض الكوليرا.
  • اكتشاف أسباب مرض دودة القز.
  • اكتشاف لقاح ضد داء الكلب.
  • اكتشاف أهمية التعقيم والتطهير للأدوات الجراحية.

الوفاة

بعد صراع طويل مع المرض، توفي باستور يوم 28 سبتمبر/أيلول 1895، عن عمر ناهز 74 سنة. وعقب جنازة وطنية رسمية، دفن مبدئيا بكاتدرائية نوتردام قبل أن تنقل رفاته خلال ديسمبر/كانون الأول 1896 وتدفن بالمعهد الذي حمل اسمه.

[ad_2]

Source link

شارك الخبر

أضف تعليقك